يختلف الكثير أو يتفق مع سياسات حزب الإصلاح ببُعد وطني أو بدافع ثأري، وخصوصاً فيما يتعلق بعدم قدرته على إدارة لحظة وفعل التغيير الذي أهدته إياه ثورة فبراير المجيدة وما تلاها زمنياً من فرص مواتية لبناء الدولة الضامنة من خلال عدم سعيه لإعادة الفرز الوطني خصوصاً مع المؤتمر الشعبي العام، أحد أهم القوى السياسية المدنية الرئيسة على مستوى الوطن، على أساس بناء الدولة المدنية العادلة قوامها المساواة والعدالة لكل أبناء اليمن ومغادرة دائرة ردود أفعال أحداث 2011م وهو ما دعوته لذلك في مقالة صحفية عقب تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وكذا تأخُره في ترتيب العلاقة على أساس وطني مع الحركة الحوثية كمكون رئيس في نسيج المجتمع اليمني، وهو ما دعونا إليه قبيل أحداث عمران بشهور.
الإصلاح تحمّل وحدة بطوباوية غير حكيمة وتبعات المرحلة الانتقالية، ودافع بالنيابة عن هادي وحزبه وباسندوة وحكومته المتشاكسة وزر فشلهم، وهو شريك مساهم ليس إلا لثلّة متناحرة، قد يكون لدى قياداته الكثير من المبررات الموضوعية والأسباب المقنعة التي تحتاج إلى قراءة منصفة ليس هنا محلها، لكن ذلك لا يعفي الفاعلين الرئيسيين في الإصلاح من المسؤولية التقصيرية في حدها الأدنى وإضاعة الفرصة التاريخية الأهم للتغيير المدفوع الثمن من دماء ونضالات اليمنيين.
لكن ما لا يستطيع إنكاره خصوم الإصلاح قبل محبيه ومالا تخطئه العين المجردة ضعيفة الرؤية أن الإصلاح ومنذ الـ 21 من سبتمبر وحتى اللحظة الراهنة كان أكثر القوى الوطنية والسياسية الراشدة والوطنية والحريصة -فطرياً- على اليمن كحرص الأم المحبة لوليدها الرضيع، فتجاوز دوافع النفس البشرية وردّات الفعل المتسرعة إلى مثاليات عشاق القيم والمبادئ ومحبي الأوطان والشعوب، وشواهد ذلك كثيرة وجليّة. نورد منها ما تجود به الذاكرة ويسعفنا به القلم:
1- قدّم إستراتيجية السلم الوطني على تكتيكات الحرب المصلحية في لحظة الاستئصال الفجة لكل أدواته ومكوناته في ظل انهيار تام لمنظومة القيم الوطنية من حلفائه وخصومه على السواء، ومن موقع القدرة على الفعل أهدى خصومه نصراً عسكرياً ميدانياً غير مستحق في غفلة من التاريخ ليصنع لنفسه تفوقاً أخلاقياً مدوياً ودفع منفرداً فاتورة انحيازه لخيار السلم الاجتماعي ليجنب الوطن مخاطر وجودية محدقة به وكارثية على حاضره ومستقبله.
2- تمسك بالحوار كقيمة إنسانية ووسيلة حضارية وحاجة وطنية للتواصل دون سواه للعبور الآمن بالوطن من مضيق اللحظة الحرج إلى فضاءات المستقبل المشرق في بيئة خانقة ضاغطة تتعرض فيها قياداته، وناشطيه لصنوف الانتهاكات وشتى الاعتداءات، ومقراته ومؤسساته وحقوقه للمصادرة والنسف والإغلاق من أحد محاوريه وشركاء مجتمعه والممسكين بسلطة الأمر الواقع وما سيكتبه المؤرخين ويرصده الحقوقيين سيبين مدى تجرد الإصلاح في المضمار الوطني والفضاء الأخلاقي فيما غيره أقام الدنيا ولم يقعدها لتصرف واحد في إطار صراع الأجنحة في ذات المكون مع إدانتنا الشديدة لكل ما يخل بتطوير العمل السياسي الطبيعي.
3- رفض وقاوم ومنع مشاريع إلغاء وحظر نشاط خصومه السياسيين وتحديداً المؤتمر الشعبي العام في لحظة نشوة غير راشدة وضغط شركاء ثورة فبراير وتناظر خطوات أقران الربيع العربي، وهو السلوك الراقي الذي امتدحه ناطق المؤتمر في أحد البرامج الحوارية المرئية وسمعته شخصياً من قيادات مؤتمرية واعية.
4- تخلّى عن حقه في الدفاع على الوطن وسلمه واقتصاده، وذلك عن مؤسساته وحلفائه وقياداته ومناصريه لصالح السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي، وتجاوز معضلات المرحلة بقسوتها بينما تخندق آخرون بالدفاع عن فرد مهما كانت النتائج مع تقديرنا للحق في الدفاع عن كل اليمنيين دون استثناء.
5- قبوله بدون شروط الإجماع الوطني في موقف معلن وأساس ثابت للإصلاح أيّاً كانت خيارات الإجماع في وسائل وآليات ومكان الحوار ومخرجاته المحققة للمصلحة الوطنية العليا، وأن ترجّل إلى مربع المعارضة وارتدى عباءة المظلومية.
6- الإصلاح لا تعيقه كآخرين قيود الجغرافيا ولا تقيّد خياراته كوابح الطائفية والجهوية، طالب بتهيئة الأرضية الوطنية وخلق الظروف الملائمة لطمأنة الجميع من خلال إعادة صياغة المؤسسات الصلبة العسكرية والأمنية على أساس التوزيع الجغرافي الوطني العادل والمتساوي.
7- تجنب خوض صراع الأيديولوجيا العابرة للحدود وانحاز إلى خيار تمتين رابطة العمق الاستراتيجي والحيوي لليمن بمحيطه الإقليمي والعربي المحقق لمصالحه، وتجنب خوض معارك ومناورات حتى في محيط الفضاء الافتراضي بينما ذهب غيره إلى تدشين المعارك الحربية على أبواب الجيران ومشارف الممرات الدولية.
8- تمسك بشرعية الرئيس هادي المهترئة تغليباً للمصلحة الوطنية العليا باعتباره مخرج الطوارئ الوحيد الآمن للهبوط من الفترة الانتقالية إلى الشرعية الدستورية المستدامة مع أنه الرئيس الذي أدت سياسته الرعناء إلى نتائج كارثية على الوطن وبالغة السوء على الإصلاح هي الأشد قسوة في تاريخه السياسي منذ تأسيسه حتى اللحظة الراهنة.
* الإصلاح غير قابل للحل والإلغاء، وهو عصي على الكسر والترويض، ليس لضعف وقلّة عدد خصومه، فهم أقوياء كثر في الداخل والخارج، ولا لاستقوائه بحلفائه وشركاء نضاله فقد غدروا به وأعانوا خصومه عليه ساعة عسرة ولا لعتاده وعدته وكثرة ماله، فما أغنت سواه ولا دفعة ضرّه، ولكن لأنه متجذر في وجدان الشعب اليمني متأصل في ضمير فئاته ونخبه راسخ في أعماق مجتمعه ومكنوناته ويستمد من الله عونه ونصرته ومن الشعب ثقته وصبره، ومن كان شعبه سنده وعزوته لن تقهره أعتى قوة على وجه الأرض. وختاماً، هل تدرك القوى الوطنية حساسية ودقة المرحلة التي يمر بها الوطن وتتناسى ثأراتها لصالح وحدته وأمنه واستقراره.
حفظ الله اليمن وجنبه الفتن
المقالات الاقدم:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127132 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26819 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26114 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20500 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17788 مرُة