drawas

454x140

هل ستنفُذ اليمن من عنق الزجاجة؟

alhubaishiيعرف الجميع بأن اليمن عاش في (عُمق) زجاجة مغلقة حبيساً لقوى إقليمية ودولية منذ عقود طويلة، وذلك لأسباب عديدة أهمها على الإطلاق التسلط الطاغي والنفوذ القوي والحصار الخانق التي فرضته المملكة العربية السعودية على اليمن من خلال مصادرة كل قراراته الوطنية والسيادية وجعلته بلداً مرتهناً وتابعاً لها في كل شيء، ذلك أن السعودية استشعرت منذ وقتٍ مبكّر في بدايات القرن الماضي بأنها لن تكون إلا عبارة عن دويلة صغيرة لا يُميزها سوى وجود الحرمين الشريفين على أرضها الصغيرة لا سيما قبل قضم واحتلال أراضي الدول المجاورة ومنها اليمن، وسيقتصر دورها فقط على رعاية وخدمة الحجيج في كل عام على أحسن الأحوال في حال قيام دولة قوية في جنوب الجزيرة العربية يحظى بكل العوامل والمقومات الديموغرافية والإستراتيجية والاقتصادية التي تمكنه من إنشاء دولة إقليمية عظمى بينما هذا ما كان يفتقر إليه آل سعود حينذاك.

هذا الاستشعار المبكر جعل من أولويات الهموم السياسية للسعودية - اليمن- الذي  أقَضّ مضاجع حكامها المتعاقبين الذين صرفوا جُل اهتمامهم في قتل أي بصيص أمل لنشوء دولة حقيقية في خاصرتهم الجنوبية، فسخروا كل إمكانيتهم المادية والسياسية والدبلوماسية لتحقيق هذا الهدف، وفعلاً تسنى لهم ذلك لفترة طويلة جداً من خلال عملائهم المنتشرين على الرقعة اليمنية، وأيضاً من خلال شراء صمت دول العالم وخاصة العظمى منها التي تركت الحبل على الغارب وسمحت لآل سعود بالانفراد واحتكار السيطرة التامة على الملف اليمني وإن كان ذلك يتناقض مع القيم الأخلاقية والديموقراطية لهذه الدول.

استمر هذا الوضع المُجحف والظالم في حق اليمنيين الذين تحملوا أعباء التواطؤ الدولي  مع السعودية ودول الخليج لفترة طويلة عاشت خلالها محافظة صعدة الأبية الصامدة ردحاً من الزمن تعاني الإهمال في مجاهل التاريخ فضلاً عن مقاومتها لست حروب طاحنة انتصرت في جميعها على المعتدين الباغين مما تمخض عن هذه الحروب خروج المارد الحوثي اليمني من رحم المعاناة والجور والقهر والظلم فقلب الطاولة على الجميع وقام بتغيير المعادلة على الأرض تباعاً وتدحرج  ثواره جنوباً على الساحة اليمنية بعد انهيار الجيش العسقبلي التابع الولاء لزعماء القبائل وزعماء المذهب الوهابي الغازي للعقيدة الإسلامية السمحاء. وألقى خطابه المزلزل في نهاية شهر فبراير من عام ٢٠١٥ الذي فند فيه الجرائم السعودية التي تُمارس بكل عنجهية وصلف وعلى مرأى ومسمع من العالم ضد اليمن واليمنيين.

هذا الخطاب كان بمثابة إنذار حازم وصادق للجارة برفع يدها عن اليمن وإيقاف التدخل في شؤونه الداخلية والتعامل مع هذا البلد بما تمليه الأصول في حق الجوار والقواعد والمعاهدات والمواثيق المحلية والدولية. إلا أن السعودية ومن ورائها البعض من دول الخليج إن لم يكونوا جميعهم قد استمرؤوا مواصلة سياساتهم الوصائية التي تعودوا عليها خلال العقود الماضية بنوع من الاستغباء والتجاهل أو بالأصح التعالي والغطرسة والغرور، بل والاستخفاف بهذا المارد الثائر والمخلص الذي يعني ويلتزم بما يقول، وتحت عمى إمكانياتهم المادية التي تمكنوا من خلالها من تدمير العراق وسوريا وليبيا وتقويض السلم الاجتماعي في غيرها لم يدركوا بأن الوضع هنا مختلف ولم يتصوروا أو يخطر ببالهم بأن الشعب اليمني قد تعلم الدرس وقادر على تغيير المعادلة تماماً لاسيما بعد أن أدرك كثير من الحقائق التي استهدفته لردح من الزمن بينما كانت غائبة عنه في الماضي، فضلاً عن مشاهدته ومتابعته للدمار الذي آلت إليه هذه الدول بعد تدخل مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية وقطر، ولم تعد تنطلي عليه التوهيمات والذرائع التي يسوقونها مثل نفوذ إيران أو الجارة التي تغدق على اليمن بسخاء ولولاها لمات اليمنيون جوعاً وما إلى ذلك من التهويش والأكاذيب التي تعودت السعودية تغليفها ونشرها في أوساط الشعب اليمني الطيب من خلال شراء ذمم المرتزقة والعملاء.

والدليل على ذلك هو محاولة السعودية نقل الحوار الجاري في صنعاء إلى الرياض متماهية مع السياقات السياسية القديمة في التدخل بالشؤون الداخلية لليمن دون أن تستوعب بأن اليمن قد نفذ من عنق الزجاجة وأصبح طليقاً حراً يغرد في سماء المستقبل الواعد والمزدهر، ولذا ينبغي على دول الخليج أن تفهم بأنه قد حان الوقت لتُغير من نهجها السابق والتعامل مع اليمن واليمنيين بكل احترام وعلى قاعدة الند للند ما لم فعليهم أن يتوقعون تداعيات ليست في مصلحة الجميع.  

كاريكاتير