- مثل الشهيد القاضي/عبدالجليل بن نعمان محمد نعمان- يرحمه الله- تميزاً واستثناءً حقاً.. خاصة بين بعض أقرانه القضاة!.
- فبجانب نزاهته.. وأريحيته.. وبساطته.. وورعه.. وحضوره اللافت.. ومشاركته للناس كل الناس.. أفراحها وأتراحها.. فقد تميز أيضاً- وكما عرفته عن قرب- بثقافة واسعة.. لم تقتصر على مجال القضاء وما يتصل به.. وإنما تتعدى الجوانب الأدبية والفكرية والسياسية ,وآية ذلك.. نقاشنا عند اللقاء الذي كان يدور في هذه الجوانب وغيرها! وتواصله التليفوني أحياناً.. ليذكرني بأبيات من شعر المتنبي وشوقي ونزار قباني والفضول والبردوني وغيرهم.. ثم يناقشني عن دلالة ومعاني بعض تلك الأبيات الشعرية ومدى توافقها مع الوضع المُزري القائم.. الذي نعيشه اليوم يمنياً وعربياً وإسلامياً!! فكنتُ كأني لأول مرة أسمع بعض تلك الأبيات الشعرية وما تمثل من بُعد نظر رغم حفظي المُسبق لها!!.. كما كان يستفسر عن انطباعي من قراءة بعض الكتب الجديدة والجديرة بالقراءة.. وبعضها لم أكن على علم مسبق بها! إضافة إلى تنبيهي أحياناً على متابعة بعض المقابلات والبرامج السياسية والفكرية ببعض الفضائيات العربية.. خاصة مع ندرة مثل هذه الجوانب الرصينة اليوم!.. فكنتُ بذلك النقاش والتواصل، أزداد علماً بجهلي!! والفضل لله ثم للشهيد- يرحمه الله.. وفي بعض زياراته إلى مقر سكني.. اطلع على بعض محتويات مكتبتي الخاصة وغير المرتبة.. لعدم وجود استقرار نفسي بمنزلٍ مؤقت؟!!.. فاستعار بعض مؤلفات جبران خليل جبران وطه حسين وغازي القصيبي وغيرهم- بجانب بعض الكتب الأجنبية- خاصة ذات الصلة بالجوانب القانونية والتشريعية.. ليعيدها بعد قرآته لها .. ووضع بعض ملاحظاته وانطباعاته عن بعضها.. بل وقيامه بتجليد بعضها.. أجل.. أعاد لي كتابين بعد تجليدهما لحاجتهما لذلك!!..
- كما اكتشفتُ المزيد من ثقافته وسعة مداركه.. وتفرده في القضاء التجاري بالذات.. حينما تصفحتُ كتابه القيم (المجموعة التجارية في الأحكام الجارية) المُهدى لي منه وبخطه الجميل.. والذي أهداه رسمياً إلى جامعة الكويت التي تخرج منها.. وإلى بعض أساتذته.. تقديراً وعرفاناً بالجميل.. فقد ظلت علاقاته الإنسانية مع زملائه وأصدقائه ومحبيه الكُثُر بوجهٍ عام، ومع أساتذته بوجهٍ خاص متواصلة إلى قُبيل استشهاده- يرحمه الله..
- لقد وجدتُ بهذا الكتاب، والذي يُعد بحق- الأول من نوعه في الساحة القضائية اليمنية.. الكثير من نماذج الأحكام التي انتقاها من بين أحكام المحاكم التجارية الابتدائيةوالاستئنافية التي ترأسها ببعض المحافظات اليمنية, إضافة إلى بعض أحكام المحكمة العُليا التي كان عضواً بها قبل استشهاده.. لتظهر مثل هذه الأحكام إلى العلن بعد أن ظلت حبيسة الأدراج!!
- وكما عرفته وعرفه كل من عايشه في القضاء أو تعامل معه.. فقد كان- يرحمه الله- يُعد بمثابة مدرسة في تسبيب الأحكام القضائية، ليُعد بذلك أحد فحول القضاء- خاصة القضاء التجاري- الذي كان بمثابة عميد له بحق في اليمن.. إضافةً إلى مواظبته على عمله ومحافظته على مواعيده ومتابعاته لكل ما يُستجد في مجال القضاء كونه كان باحثاً مُدققاً في هذا الجانب بالذات.. ولعل انتقاله من المحاماة إلى القضاء, إنما جاء لحاجة القضاء إليه وليس العكس!
- وإذا كانت ثقافة الشهيد العامة والرصينة التي خبرتها عن قرب والتي يصعب الإلمام بها بهذه العجالة, بجانب فصاحته البيانية بإعتباره كان خطيباً مفوهاً.. قد لا تستغرب من أمثاله.. كونه ينحدر من أسرة معروفة لدى الخاص والعام بريادتها الثقافية والتنويرية, وبفصاحتها الاستثنائية التي غدت معلماً من معالمها وبمثابة عنوان جليّ لها.. فإن ثقافته تلك قد تُستغرب عند مقارنته ببعض أقرانه القضاة- حسب علمي-!!
- ثم.. تميز الشهيد- يرحمه الله- بالكرم والسخاء.. وبصورة يندر تكرارها في هذا الزمن الرديء.. وإن أنسى- فلن أنسى قبل أكثر من عام مضى.. اعتذاري له تليفونياً- لعدم زيارته كما كنا قد تواعدنا قبلاً!.. بسبب استمرار بقاء سيارتي المتواضعة بالورشة.. والتي كان مقرراً خروجها حسب فهمي بنفس يوم الموعد معه!!.. ففوجئتُ به يسألني عن اسم الورشة واسم صاحبها ومكانها؟!.. فأجبته وأنا مستغربٌ من سؤاله؟!! ليُضيف أن سبب سؤاله ذاك- إنما هي حاجته إلى مفاقدة وإصلاح سيارته!!.. لكنني بعد بضع ساعات من حوارنا- تلقيتُ اتصالاً من صاحب الورشة.. يخبرني بوصول أحد أقرباء الشهيد ويسلمه جزءً من تكاليف بقية قيمة قطع الغيار والإصلاح- رافضاً أخذ سند استلام منه.. ومصراً على صاحب الورشة بعدم إخباري إلا بعد ذهابه!! وهو ما حدث.. مع أني لم أطلب منه ذلك.. بل لم أخبره بما يُوحي بالحاجة؟!..
- فهل مثل هذا الكرم والسخاء وبهذه الطريقة والأسلوب والأداء يتكرر في عالم اليوم؟؟؟!!..
- هذه بعض النماذج التي تُعد بمثابة جزء من كل ، وغيض من فيض، والتي تُمثلُ تميزاً واستثناءً في الشهيد القاضي/ عبدالجليل نعمان- كما عرفتُهُ بها وعرفتها به- ودون أن أزكي أحداً على الله- والذي ذهب شهيداً مع زوجته الفاضلة/ أسماء علي محمد نعمان- في الهجوم الغادر والجبان والحقير على مجمع وزارة الدفاع- حيث ذهبا لإجراء فحوصات طبية وهما صائمان- حسب علمي فيما بعد- ليُستشهدان.. بجانب استشهاد مجموعة من العسكريين والمدنيين والممرضين والممرضات والأطباء والطبيبات- يمنيين وغير يمنيين- وليكون هؤلاء جميعاً- خاصة الذين يقومون بعلاج المرضى وتخفيف آلامهم واستقبال المرتادين لطلب العلاج- ضحايا مجموعة قذرة وعفنة وغبية وحاقدة.. والتي تدعي انتماءها لإنسانية الإنسان زوراً وبهتاناً.. بينما هي عكس ذلك تماماً!!.. إلى درجة استأناس أمثالي لأصوات الذئاب المتوحشة من سماع أصوات ونعيق مثل هذه الشرذمة الحقيرة!!.. ولسان الحال يُردد قول الشاعر:
- "عَــوى الذئـبُ فاستـأنسـتُ بالذئـبِ إذ عَــوى
وصـــوّتَ إنســــانٌ فكــــدتُ أطيـــرُ"..
- فالكلمات مهما كانت بلاغتها واستقائها وحجمها لم ولن تفِ هؤلاء الشهداء حقهم والذين ذهبوا ضحايا مجموعة إرهابية غبية، ودولة فاشلة إن لم تكن غائبة، وإهمال شبه مُعمد!!.. وخيانات جليّة؟!!.. ستظهر حتماً عاجلاً أو آجلاً؟!..
- فإلى الأبناء محمد ومعاذ وشريح وشقيقاتهم.. وإلى الأعزاء سفيان ومصطفى وعبدالله ولطفي ومازن.. وكافة أسرة النعمان.. ثم إلى كل أسر ضحايا ذلك العمل الإرهابي الشنيع.. خالص العزاء بهذا المصاب الجَلَلْ والمؤلم.. وهذا هو كل ما يملك أمثالي تقديمه لهؤلاء المكلومين جميعاً من آباء وأمهات وأزواج وزوجات وأبناء وأقارب وأصدقاء حقيقيين لهؤلاء الشهداء.. فهم وحدهم الذين ينحصر الحزن الحقيقي والآلام الموجعة عليهم دون غيرهم.. سائلاً الله أن يجملهم بالصبر والثبات..
وحسبنا الله وحده.. ونعم الوكيل..
المقالات الاقدم:
أحدث المقالات - من جميع الأقسام:
مقالات متفرقة:
المقالات الأكثر قراءة:
- منظمة الصحة العالمية : 10 آلاف قتيل و60 ألف جريح حصيلة حرب اليمن - 2018/12/10 - قرأ 127132 مرُة
- اليمن .. معركة جديدة بين قوات هادي والحراك الجنوبي في شبوة - 2019/01/09 - قرأ 26819 مرُة
- غريفيث لمجلس الأمن: هناك تقدماً في تنفيذ اتفاق استوكهولم رغم الصعوبات - 2019/01/09 - قرأ 26114 مرُة
- تبادل عشرات الأسرى بين إحدى فصائل المقاومة اليمنية والحوثيين في تعز - 2016/06/01 - قرأ 20500 مرُة
- المغرب يكشف عن "تغير"مشاركته في التحالف - 2019/01/24 - قرأ 17788 مرُة